فصل: من فوائد أبي حيان في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الثامنة قوله تعالى: {وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ} دليل على أنهم مخاطبون بتفاصيل شَرْعنا؛ أي إذا اشتروا منا اللحم يَحِلّ لهم اللحم ويَحِلّ لنا الثمن المأخوذ منهم.
التاسعة قوله تعالى: {والمحصنات مِنَ المؤمنات والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ} الآية.
قد تقدّم معناها في «البقرة» و«النساء» والحمد لله.
ورُوي عن ابن عباس في قوله تعالى: {والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب}.
هو على العهد دون دار الحرب فيكون خاصًّا.
وقال غيره: يجوز نكاح الذِّمّية والحربيّة لعموم الآية.
ورُوي عن ابن عباس أنه قال: {المحصَناتُ} العفيفات العاقلات.
وقال الشَّعبيّ: هو أن تحصن فَرْجها فلا تَزني، وتغتسل من الجنابة.
وقرأ الشَّعبيّ {والمحصِنَات} بكسر الصاد، وبه قرأ الكسائيّ.
وقال مجاهد: {المحصَنَات} الحرائر؛ قال أبو عبيد: يذهب إلى أنه لا يحلّ نكاح إماء أهل الكتاب؛ لقوله تعالى: {فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ المؤمنات} [النساء: 25] وهذا القول الذي عليه جِلّة العلماء.
العاشرة قوله تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بالإيمان} قيل: لمّا قال تعالى: {والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب} قال نساء أهل الكتاب: لولا أن الله تعالى رَضي ديننا لم يُبح لكم نكاحنا؛ فنزلت {وَمَن يَكْفُرْ بالإيمان} أي بما أنزل على محمد.
وقال أبو الهيثم: الباء صِلة؛ أي ومن يكفر الإيمان أي يَجْحَدْه {فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ}.
وقرأ ابن السَّمَيْقَع {فَقَدْ حَبَط} بفتح الباء.
وقيل: لما ذكرت فرائض وأحكام يلزم القيام بها، ذُكر الوعيد على مخالفتها؛ لما في ذلك من تأكيد الزجر عن تضييعها.
ورُوي عن ابن عباس ومجاهد أن المعنى: ومن يكفر بالله؛ قال الحسن بن الفضل: إن صحّت هذه الرواية فمعناها بربّ الإيمان.
وقال الشيخ أبو الحسن الأشعريّ: ولا يجوز أن يسمّى الله إيمانًا خلافًا للحشوِية والسّالميّة؛ لأن الإيمان مصدر آمن يُؤمِن إيمانًا، واسم الفاعل منه مُؤمِن؛ والإيمان التصديق، والتصديق لا يكون إلا كلامًا، ولا يجوز أن يكون الباري تعالى كلامًا. اهـ.

.من فوائد ابن الجوزي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {اليوم أُحل لكم الطيبات}
قال القاضي أبو يعلى: يجوز أن يريد باليوم اليوم الذي أنزلت فيه الآية، ويجوز أن يريد اليوم الذي تقدم ذكره في قوله: {اليوم يئس الذين كفروا من دينكم}، وفي قوله: {اليوم أكملت لكم دينكم}، وقيل: ليس بيوم معيّن.
وقد سبق الكلام في {الطيبات} وإنما كرّر إِحلالها تأكيدًا.
فأما أهل الكتاب، فهم اليهود والنصارى.
وطعامُهم: ذبائحهم، هذا قول ابن عباس، والجماعة.
وإِنما أريد بها الذبائح خاصّة، لأن سائر طعامهم لا يختلف بمن توَّلاه من مجوسي وكتابي، وإِنما الذكاة تختلف، فلما خصّ أهل الكتاب بذلك، دل على أن المراد الذبائح، فأما ذبائح المجوس، فأجمعوا على تحريمها.
واختلفوا في ذبائح من دان باليهودية والنصرانية من عبدة الأوثان، فروي عن ابن عباس أنه سُئل عن ذبائح نصارى العرب، فقال: لا بأس بها، وتلا قوله: {ومن يتولهم منكم فانه منهم} [المائدة: 51] وهذا قول الحسن، وعطاء بن أبي رباح، والشعبي، وعكرمة، وقتادة، والزهري، والحكم، وحماد.
وقد روي عن علي، وابن مسعود في آخرين أن ذبائحهم لا تحل.
ونقل الخرقي عن أحمد في نصارى بني تغلب روايتين.
إِحداهما: تباح ذبائحهم، وهو قول أبي حنيفة، ومالك.
والثانية: لا تباح.
وقال الشافعي: من دخل في دين أهل الكتاب بعد نزول القرآن، لم يبح أكل ذبيحته.
قوله تعالى: {وطعامكم حِلٌ لهم} أي: وذبائحكم لهم حلال، فاذا اشتروا منا شيئًا كان الثمن لنا حلالًا، واللحم لهم حلالًا.
قال الزجاج: والمعنى: أُحل لكم أن تطعموهم.
وقد زعم قوم أن هذه الآية اقتضت إِباحة ذبائح أهل الكتاب مطلقًا وإِن ذكروا غير اسم الله عليها، فكان هذا ناسخًا لقوله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 121] والصحيح أنها أطلقت إِباحة ذبائحهم، لأن الأصل أنهم يذكرون الله، فيُحمل أمرهم على هذا.
فإن تيقنّا أنهم ذكروا غيره، فلا نأكل، ولا وجه للنسخ، وإِلى هذا الذي قلته ذهب علي، وابن عمر، وعبادة، وأبو الدرداء، والحسن في جماعة.
قوله تعالى: {والمحصنات من المؤمنات} فيهن قولان:
أحدهما: العفائف، قاله ابن عباس.
والثاني: الحرائِر، قاله مجاهد.
وفي قوله: {والمحصنات من الذين أُوتوا الكتاب} قولان:
أحدهما: الحرائِر أيضًا، قاله ابن عباس.
والثاني: العفائِف، قاله الحسن، والشعبي، والنخعي، والضحاك، والسدي، فعلى هذا القول يجوز تزويج الحرّة منهن والأمة.
وهذه الآية أباحت نكاح الكتابية.
وقد روي عن عثمان أنه تزوج نائِلة بنت الفرافصة على نسائه وهي نصرانية.
وعن طلحة بن عبيد الله: أنه تزوج يهودية.
وقد روي عن عمر، وابن عمر كراهة ذلك.
واختلفوا في نكاح الكتابية الحربية، فقال ابن عباس: لا تحل، والجمهور على خلافه، وإِنما كرهوا ذلك، لقوله تعالى: {لا تجدُ قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله} [المجادلة: 22] والنكاح يوجب الود.
واختلفوا في نكاح نساء تغلب، فروي عن علي رضي الله عنه الحظر، وبه قال جابر بن زيد، والنخعي، وروي عن ابن عباس الإباحة.
وعن أحمد روايتان.
واختلفوا في إماء أهل الكتاب، فروي عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد: أنه لا يجوز نكاحهن، وبه قال الأوزاعي، ومالك، واللّيث بن سعد، والشافعي، وأصحابنا، وروي عن الشعبي، وأبي ميسرة جواز ذلك، وبه قال أبو حنيفة.
فأما المجوس، فالجمهور على أنهم ليسوا بأهل كتاب، وقد شذّ من قال: إِنهم أهل كتاب، ويبطل قولهم قولُه عليه السلام: «سُنُّوا بهم سُنَّة أهل الكتاب» فأما «الأجور»، و«الإِحصان»، و«السّفاح»، و«الأخدان» فقد سبق في سورة «النساء».
قوله تعالى: {ومن يكفر بالإِيمان فقد حبط عمله} سبب نزول هذا الكلام: أن الله تعالى لما رخَّص في نكاح الكتابيات قلن بينهن: لولا أن الله تعالى قد رضي علينا، لم يبح للمؤمنين تزويجنا، وقال المسلمون: كيف يتزوّج الرجل منا الكتابية، وليست على ديننا، فنزلت: {ومن يكفر بالإِيمان فقد حبط عمله} رواه أبو صالح عن ابن عباس.
وقال مقاتل بن حيّان: نزلت فيما أحصن المسلمون من نساء أهل الكتاب، يقول: ليس إِحصان المسلمين إِياهن بالذي يخرجهن من الكفر.
وروى ليث عن مجاهد: ومن يكفر بالإِيمان، قال: الإِيمان بالله تعالى.
قال الزجاج: معنى الآية: من أحل ما حرّم الله، أو حرّم ما أحلّه الله، فهو كافر.
وقال أبو سليمان: من جحد ما أنزله الله من شرائِع الإِيمان، وعرفه من الحلال والحرام، فقد حبط عمله المتقدّم.
وسمعت الحسن بن أبي بكر النيسابوري الفقيه يقول: إِنما أباح الله عز وجل الكتابيات، لأن بعض المسلمين قد يعجبهن حسنهن، فَحَذَّر ناكحهنَّ من الميل إِلى دينهن بقوله: {ومن يكفر بالإِيمان فقد حبط عمله}. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{اليوم أحل لكم الطيبات} فائدة إعادة ذكر إحلال الطيبات التنبيه بإتمام النعمة فيما يتعلق بالدنيا، ومنها إحلال الطيبات كما نبه بقوله: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي} على إتمام النعمة في كل ما يتعلق بالدين.
ومن زعم أنّ اليوم واحد قال: كرره ثلاث مرات تأكيدًا، والظاهر أنها أوقات مختلفة.
وقد قيل في الثلاثة: إنها أوقات أريد بها مجرد الوقت، لا وقت معين.
والظاهر أنّ الطيبات هنا هي الطيبات المذكورة قبل.
{وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} طعامهم هنا هي الذبائح كذا قال معظم أهل التفسير.
قالوا: لأنّ ما كان من نوع البر والخبز والفاكهة وما لا يحتاج فيه إلى ذكاة لا يختلف في حلها باختلاف حال أحد، لأنها لا تحرم بوجه سواء كان المباشرة لها كتابيًا، أو مجوسيًا، أم غير ذلك.
وأنها لا يبقى لتخصيصها بأهل الكتاب فائدة، ولأن ما قبل هذا في بيان الصيد والذبائح فحمل هذه الآية على الذبائح أولى.
وذهب قوم إلى أنّ المراد بقوله: وطعام، جميع مطاعمهم.
ويعزي إلى قوم ومنهم بعض أئمة الزيدية حمل الطعام هنا على ما لا يحتاج فيه إلى الذكاة كالخبز والفاكهة، وبه قالت الإمامية.
قال الشريف المرتضى: نكاح الكتابية حرام، وذبائحهم وطعامهم وطعام من يقطع بكفره.
وإذا حملنا الطعام على ما قاله الجمهور من الذبائح فقد اختلفوا فيما هو حرام عليهم، أيحل لنا أم يحرم؟ فذهب الجمهور إلى أنّ تذكية الذمي مؤثرة في كل الذبيحة ما حرم عليهم منها وما حل، فيجوز لنا أكله.
وذهب قوم إلى أنه لا تعمل الذكاة فيما حرم عليهم، فلا يحل لنا أكله كالشحوم المحضة، وهذا هو الظاهر لقوله: وطعام الذين أوتوا الكتاب، وهذا المحرم عليهم ليس من طعامهم.
وهذا الخلاف موجود في مذهب مالك.
والظاهر حل طعامهم سواء سموا عليه اسم الله، أم اسم غيره، وبه قال: عطاء، والقاسم بن بحصرة، والشعبي، وربيعة، ومكحول، والليث، وذهب إلى أنّ الكتابي إذا لم يذكر اسم الله على الذبيحة وذكر غير الله لم تؤكل وبه قال: أبو الدرداء، وعبادة بن الصامت، وجماعة من الصحابة.
وبه قال: أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، وزفر، ومالك.
وكره النخعي والثوري أكل ما ذبح وأهلّ به لغير الله.
وظاهر قوله: {أوتوا الكتاب} أنه مختص ببني إسرائيل والنصارى الذين نزل عليهم التوراة والإنجيل، دون مَن دخل في دينهم من العرب أو العجم، فلا تحل ذبائحهم لنا كنصارى بني تغلب وغيرهم.
وقد نهى عن ذبائحهم عليّ رضي الله عنه، وقال: لم يتمسكوا من النصرانية إلا بشرب الخمر.